طاطا.. 3 سنوات من التعبئة الشاملة لمنع زراعة البطيخ واسترجاع الحياة للفرشة المائية

هبة بريس

في سابقة من نوعها، نجحت طاطا خلال السنوات الثلاث الأخيرة في تنزيل قرار جماعي وشجاع بمنع زراعة البطيخ الأحمر، إحدى الزراعات الأكثر استنزافًا للمياه، في خطوة بيئية واعية لمواجهة أزمة العطش التي تهدد الإقليم برمّته.

القرار، الذي وُلد من رحم مشاورات موسعة مع مختلف الفاعلين المحليين، لم يكن قرارًا فوقيًا، بل تعبيرًا عن وعي جماعي بالخطر الذي يهدد مستقبل المنطقة في الإقليم، المصنّف ضمن المناطق الحمراء مائيًا بنسبة عجز تفوق 80%، لم يكن أمامه سوى الانخراط في معركة بقاء عنوانها: حماية الفرشة المائية.

وفي هذا السياق، أصدرت السلطات الإقليمية القرار رقم 38 بتاريخ 21 مارس 2021، متبوعًا بالقرار رقم 424 بتاريخ 17 دجنبر 2022، واللذين رسّخا منع زراعة البطيخ بجميع أنواعه على مستوى تراب الإقليم، مع التنصيص على التدابير التنفيذية والإجراءات الزجرية في حال الإخلال بهما.

ما يميز تجربة طاطا هو المجهود الاستثنائي الذي انخرطت فيه جميع السلطات الإدارية والأمنية، والمجالس المنتخبة، والمصالح الخارجية، إلى جانب فعاليات المجتمع المدني والساكنة المحلية، في تنسيق غير مسبوق تُوّج بوقف زراعة أزيد من 4 آلاف هكتار كانت تستنزف المياه الجوفية بشكل خطير.

لم يقتصر هذا المجهود على إصدار القرار فقط، بل شمل التتبع الميداني، والمراقبة المستمرة، وتفكيك شبكات الري المخالفة، وإزالة كل الزراعات غير الملتزمة، فضلًا عن حملات توعوية وتحسيسية لتشجيع الفلاحين على بدائل زراعية أكثر احترامًا للبيئة، مع إطلاق ورش التفكير في نموذج فلاحي جديد مستدام.

ورغم ظهور بعض الحالات المعزولة من التجاوزات، إلا أن السلطات سارعت إلى التعامل معها بحزم ووفق القانون. هذه الحالات، التي يتم تضخيمها أحيانًا، لا يمكن أن تلغي حجم الإنجاز المحقق، بل تكشف عن محاولات مكشوفة من المتضررين من القرار لإيهام الرأي العام بفشل المنع، فقط لتمهيد الطريق لعودة زراعتهم المفضلة.

الرسالة اليوم واضحة وهي أن القرار نابع من إرادة الطاطاويين أنفسهم، ولا يُعقل أن يتخذ البعض موقع المتفرج أو الناقد السلبي في معركة تهم الجميع. فكل شخص لا يحترم هذا القرار المشترك، إنما يضع مصلحته الشخصية فوق مصلحة الإقليم، ويهدد موردًا حيويًا للأجيال القادمة.

إن ما تحقق في طاطا خلال ثلاث سنوات يستحق التنويه والتثمين، ويجب أن يُقدّم كنموذج يُحتذى به في باقي الأقاليم التي تواجه نفس التحديات. لأن حماية الماء ليست مسؤولية الدولة وحدها، بل قضية مجتمع بأكمله.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى